اخبار بسماية
الاخبار

قصة نبي الله سليمان عليه السلام و عرش ملكة سبأ

قصة نبي الله سليمان عليه السلام و عرش ملكة سبأ

بدأت قصة طلب النبي سليمان عليه السلام للملك من الله تعالى عندما دعا ربه بدعاء عظيم عبّر فيه عن رغبته في ملك لا ينبغي لأحدٍ من بعده. 

وقد ورد ذلك في سورة ( ص ) في سياق قصة ابتلاء الله له ، ثم توبته ودعائه . 

قال الله تعالى :

"قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنبَغِي لأحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ" ، الملك الذي وهبه الله لسليمان عليه السلام كان ملكاً خارقاً للعادة ، لا مثيل له في تاريخ البشر ، وقد شمل عناصر لا تتوافر لأي حاكم بشري قبله أو بعده .





إليك تفصيل هذا الملك الفريد :

* تسخير الرياح


قال الله تعالى :


"فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ"


كانت الرياح تجري بأمره وتطيعه يسير بها حيث شاء ، وفي بعض الآيات قدر مسيرها في شهر صباحًا و شهر مساءً ، وهذا يعني أن الرياح كانت وسيلة نقل ملكية خارقة.

* تسخير الجن


قال تعالى :


"وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ"


الجن كانوا يعملون لسليمان بأوامره منهم من يبني القصور والسدود ، ومنهم من يغوص في البحار لجلب اللؤلؤ والمعادن ، وكانوا مقيدين بالطاعة ، لا يستطيعون مخالفته ، ومن يعص يُعذِّب أو يُقيد ، هذه القدرة جعلته يدير مشاريع عملاقة خارقة تتجاوز القدرة البشرية.

* علم منطق الطير والمخلوقات

قال تعالى: "عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ" .



كان يفهم لغات الحيوانات والطير والحشرات ، استخدم هذا العلم في الإدارة والتحكم والتحقيق كما في قصة الهدهد والنملة ، و التي ستتضح لاحقاً بشكل مفصل اكثر ، و سأقص عليك قصة تعرفها عزيزي القارئ لنحللها بعد ذلك.



رسالة من السماء / الجزء الأول

نبي الله سليمان والجيش الملكي

كان الصباح قد انبلج في مملكة مصطف كما العادة ، منظما كأنما نُسج من خيوط الضوء . وقفت الطيور في صفوفها تتلقى أوامرها بانتظام والعساكر من الجن والإنس على أهبة الاستعداد وحده كان سليمان يتفحّص بعينه النبوية الحادة وجنوده كما النجوم لا يغب عنهم نجم وفجأة، عبست ، ملامحه ونظر إلى السماء ، كأنما يبحث عن ظل مفقود .

"ما لي لا أرى الهدهد؟ "  قالها وكأن في صوته نغمة استغراب ممزوجة بالصرامة ، "أم كان من الغائبين ؟ !  .  


سكت الجمع . لم يجرؤ أحد أن ينطق ، فغياب الهدهد لم يكن بالأمر الهين لا في مملكة تُدار بالوحي والنظام.

أطرق سليمان ( عليه السلام ) برأسه ، ثم رفعه وقال بنبرة صارمة :

 "لأعذبنه عذابًا شديدا... أو لأذبحته... أو ليأتيني بسلطان مبين!"


صمت ثقيل عمّ المكان ، كأن الريح حبست أنفاسها. لم يطل الغياب... فما هي إلا لحظات وإذا بطائر صغير يحلق من بعيد، يتهادى في الجوّ، حاملاً أنباء لا تُقدّر بثمن، انه الهدهد.

هبط الهدهد أمام العرش ، وانحنى احتراما ثم صدح بصوتٍ صغير لكنه واثق : " أحطتُ بما لم تُحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين."


رفع سليمان حاجبيه نبأ لم يعلمه ؟ هذا جديد.

تابع الهدهد ، وعيناه تشعّان حماسةً : " إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم * وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون "


رسالة من السماء / الجزء الثاني 

كان النسيم يلفّ مدينة سبأ مع طلوع شمس ناعمة تلف الملكي بشيء من القدسية فى شرفة عالية مطلة على الحدائق وقفت الملكة بلقيس ، بلباسها الموشى بخيوط الذهب ، تتأمل الأفق... 

حينها هبط  طائر غريب من السماء ، وانحنى أمام الحرس ، ثم ألقى شيئًا ، وانطلق في الحال.

تناول الحارس اللفافة الغريبة ، وسرعان ما وصل بها إلى الملكة ، التي تأملت الخط والمضمون.

فتحت الرسالة ، فإذا بها تحمل كلمات لم يسبق أن رأت مثلها ، وقرأتها بصوت عال : إنه من سليمان وإنه : بسم الله الرحمن الرحيم ، ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين ، سكن المكان ، كأن الأرض حبست أنفاسها ، نظرت الملكة في وجوه مستشاريها ، ثم نادتهم إلى مجلسها قالت بصوت متزن فيه من الحكمة قدر ما فيه من القلق : "يا أيها الملأ ، إني ألقي إلي كتاب كريم."


ثم رفعت الرسالة وقالت: "إنه من سليمان... لا من ملك يطلب نفوذاً ، بل من نبي يدعو إلى الخضوع لله."

سكت القوم ، ثم استأنفت حديثها : "يا أيها الملأ ، أفتوني في أمري ، ما كنتُ قاطعة أمرًا حتى تشهدون" .

نهض كبير القادة ، وقال بفخر : "نحن أولو قوة ، وأولو بأس شديد ، لكن الأمر إليك فانظري ماذا تأمرين"


صمتت بلقيس قليلاً ، ثم مشت بخطى بطيئة نحو العرش ، كأنها تستعيد التاريخ في رأسها قالت : "إنّ الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها ، وجعلوا أعزة أهلها أذلة... وكذلك يفعلون."


رفعت رأسها ، وأضافت : " لكني لا أريد الحرب... سأختبر هذا النبي ، هل هو طامع في الملك ، أم داع إلى الله؟"


ثم أمرت بإعداد هديّة عظيمة : صناديق من ذهب وجواهر ، عبيد وخدم ، وخيول وسروج من الحرير وقالت : "أرسلوا إليه هذه الهدية ، وسننظر بما يرجع المرسلون هكذا بدأت أول خطوات بلقيس نحو النور لا بخضوع ، بل بعقل راجح وحكمة تليق بملكة لا تُهزم لكنها إذا تبين لها الحق لا تتكبر عليه.



رسالة من السماء / الجزء الثالث

كان سليمان جالساً في بهو ملكه تحفه الجن والإنس والطير ، حين دخل رسل بلقيس ، يحملون صناديق الذهب والفضة وعيونهم متوجسة.

وقف أحدهم وقال : "هذه هدية من ملكتنا بلقيس ، عربون احترام وتفاهم."

لم يتحرّك سليمان من مقامه ، لكنه ابتسم ابتسامة فيها نفاذ بصيرة ثم نهض وقال بصوت ملأ المكان هيبة " أتمدونني بمال ؟! فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون....

كان يعلم أنهم لا يدركون أن نبي الله لا تُشترى دعوته بالذهب ، وأن القوة الحقيقية ليست في الجواهر ، بل في الوحي والعلم .

ثم التفت إلى المرسلين وقال : "ارجع إليهم... فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ، ولنُخرجنّهم منها أذلة وهم صاغرون "

تبدلت وجوه الرسل وارتعدت قلوبهم هذا ليس ملكاً عادياً ، لقد لمسوا الحقيقة ، سليمان لا يسعى الحكم ، بل للهداية.

ومع انسحابهم ، استدار سلیمان نحو مجلسه الملكي وقال بصوتٍ رصين :

"يا أيها الملأ ، أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ؟"

سكت الجمع ، ثم خرج من صفوف الجنّ عفريت قوي البنية وقال بثقة : "أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ، وإني عليه لقوي أمين."

لكن قبل أن يُكمل كلماته تقدم رجلٌ من الصالحين ، هادئ القسمات ، يشع من عينيه نور العلم و قال : "أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك."

وما هي إلا لحظة حتى ظهر عرش بلقيس العظيم ، قائمًا مستقرا أمام نبي الله سليمان ( عليه السلام )، كما لو أنه لم يغادر مملكة سبأ قط.

حدق النبي في العرش الماثل أمامه ، ولم ينبهر بعظمته كما يفعل الملوك ، بل خفض رأسه و قال بخشوع : "هذا من فضل ربي ، ليبلوني أأشكر أم أكفر ...

في هذه اللحظة ، لم يكن المقصود بالامتحان بلقيس وحدها... بل أيضًا سليمان الذي رغم أن الله سخر له الجنّ و الريح و الطير، ما زال قلبه معلقا بالله شاكرًا غير متكبّر.



رسالة من السماء / الجزء الرابع


كانت الرمال تمتد بين مملكة سبأ وبيت المقدس وبين كل خطوة من خطوات بلقيس نحو سليمان كانت الحكمة تضىء طريقا في قلبها وتسقط ورقة من كبرياء الملوك.


ما عادت تلك الملكة تحكم السياسة فقط ، بل باتت أقرب إلى امرأةٍ تسعى للحق بعينين مفتوحتين ، و حين اقتربت قافلتها من مملكة النبي الملك ، كانت الجنود ، مصطفة ، لا في استعراض ملوكي بل كأنهم مخلوقات مطيعة لنظام سماوي ، وما إن اقتربت بلقيس من القصر ، حتى أدخلت إلى بهو عظيم ، وفي نهايته عرش مهيب.


وقف سليمان وقال للحاضرين قبل وصولها : " نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون."


غيرت بعض الزخارف واختلفت بعض التفاصيل ، لكن الجوهر بقي ,


دخلت بلقيس ، وأشار أحدهم نحو العرش وسألها : "أهكذا عرشك ؟ "


وقفت بلقيس لحظة ... تأملت ثم قالت بدهشة و تمعن "كأنه هو !"


كانت حيرتها صادقة ، لكنها لم تكن خوفا ... بل إعجابًا ، كيف نُقل عرشها العظيم كل هذه المسافة ؟ وكيف سبقها إلى هنا؟!


نظرت إلى سليمان فعلمت أنه ليس طامعا في عرشها ، بل يريد هدايتها.


ثم سار بها إلى قصر آخر ، لكن لا يشبه القصور الأرضية .


قال لها: "ادخلي الصرح "


فلما خطت خطواتها الأولى ، حسبت الأرض ماء ، لجة صافية ، فكشفت عن ساقيها حتى لا تبتل ثيابها ، و إذا بالصوت يجيبها : "إنه صرح ممرد من قوارير زجاج نقيّ كالماء ، لم تر مثله من قبل.


لم تستطع بلقيس أن تتجاهل الحقيقة بعد الآن ، لم تكن في حضرة ملك فقط ، بل في حضرة نبي مؤيد بالعلم والإيمان والوحي رفعت رأسها إلى السماء وقالت بصوت يملؤه الإيمان: "رب إني ظلمت نفسي ، وأسلمتُ مع سليمان لله ربّ العالمين."


وهكذا ، لم يُسقطها نبي الله عن عرشها... بل رفعها إلى مقام الإيمان ، من ملكة تعبد شمسًا إلى أمة تسجد لمن خلق الشمس.




قالَ نَكَّرُوا لَهَا عَرْشَهَا تَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونَ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ


فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهْكَذَا عَرْشِكَ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ


وَصَدْهَا مَا كَانَت تُعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمِ كَافِرِينَ


قيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبْتَهُ لَجْةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا


قَالَ إِنَّهُ صَرْحَ مُمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ


قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 




لم يكن لقاء سليمان و بلقيس لقاء ملوك...


كان لقاء بين نورين بين عقل مؤمن وهب الله له مُلكًا لا ينبغي لاحد من بعده ، وامرأةٍ حكمت قومها بالحكمة والبصيرة ، حتى ساقها الله بلطفه إلى الإيمان ، لم يُخضعها سليمان بالسيوف ، بل أظهر لها أن الإيمان أعظم من السلطة ، وأن عرش الروح أعلى من عرش الأرض.


في عالم كان فيه الملوك يُبعثون بالرعب اختار نبي الله أن يُبعث بالرسالة ، وفي زمن تعبد فيه الشمس أطفأ سليمان ذلك النور الزائف بنور التوحيد.


بلقيس لم تُهزم بل انتصرت على نفسها ، فهي لم تتنازل عن ملكها لأحدٍ أجبرها ، بل لأنها اكتشفت أن المُلك الحق لله ، ولم تسلم من خوف ، بل من يقين.


وهكذا أضاءت قصة سليمان وبلقيس صفحة من نور في سجل البشرية ، تعلم فيها الحكّام أن النبوة أرقى من التاج ، وتعلم فيها الشعوب أن الهداية تبدأ حين يُفتح باب القلوب لا بوابة القصور.


إنها دعوة مستمرة في كل زمان ألا تعلوا علي ، وأتوني مسلمين."


هذه القصة التي سردتها لك لم تكن من وحي مخيلتي و اتمنى صدقاً لو كنت بارعاً لهذه الدرجة في سرد الروايات !


لكنها كما تعلم وردت في القرآن الكريم..


الغريب في القصة هو طلب سليمان من قومه او حاشيته او مجلس حكمه ان ينقلوا له عرش بلقيس ! و الاغرب هو تلبية الطلب بطريقة يعجز البشر اليوم عن القيام بمثلها ، هل هي كرامة او معجزة خص الله بها سليمان ( عليه السلام ) دون غيره ؟ ربما ، لكن لماذا العرش بالتحديد و ليس شيئاً آخر ؟ و قد ورد في تفاسير مثل ابن كثير و الطبري و غيرها ان من قام بالنقل هو شخص اسمه ( آصف ابن برخیا ) وزیر سلیمان و کاتبه و دعا بأسم الله الأعظم فكان له ما اراد ، و هذا كان هو الرأي الأشهر ، و البعض الآخر ذهب الى ان من قام بهذا هو احد الملائكة و هو الرأي الاضعف و عموماً فأن أسم من قام بالعملية لم يرد صراحة بالقرآن الكريم و لكن على الارجح ان من قام بذلك هو رجل ( انسان ) بغض النظر عن اسمه او نسبه لكن المهم انه يملك علماً و لولا العلم الذي يملكه لما تمكن من القيام بهذه العملية اعتقد ان ما يجب فعله الآن هو تحيل الامر من عدة جوانب قبل ان نسلم بأجابة او تفسير دون غيره .

تحلیل مشهد نقل العرش آنياً


جلب العرش : هل كان أمرًا مألوفًا ؟


حين قال سليمان عليه السلام في مجلسه : " يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ "


لم يكن يطرح تحديًا خارقًا في مجلس لا يعرف إلا الترانيم الروحية أو الانبهار بالمعجزات بل خاطب "الملا" وهم صفوة الدولة ، بما يدل على أن طلب جلب العرش لم يكن خارج المألوف في بنية سلطانه.


و من سياق الطلب يتضح اننا نشهد دولة ذات إمكانيات فوق المعتاد.


كان هذا الطلب يحمل في طيّاته افتراضًا ضمنياً : أن بين الحاضرين من يمتلك القدرة - أو العلم - الذي يؤهّله للقيام بهذه المهمة الاستثنائية ، و لم يُقابل أحد من الجالسين السؤال بالدهشة أو الاستغراب ، بل جاء الرد الفوري : قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك..."


هنا نرى أن العفريت عرض قوته بثقة ، وأن هذه القوة مفهومة ضمن نظام دولة سليمان ، لكنها لم تكن الحد الأقصى المتاح!


هنا سنشهد حالة القوة مقابل العلم والتي تتضح عندما جاء العرض الثاني : " قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك..."


وقعت المفاجأة ، ففى لحظة زمنية تقارب جزءًا من الثانية كان العرش مستقراً أمام سليمان هذه اللحظة حسمت المقارنة .


هذا التحوّل من القوة إلى العلم من الجن إلى الإنسان يمثل نقلة فكرية وتقنية في عقل الدولة السليمانية .


لم تكن القيادة تستند إلى القوى الخارقة وحدها ، بل إلى إدراك أعمق لسنن الكون ، عبر علم سماه القرآن : "علم من الكتاب".


وهكذا ، فإن سليمان لم يطلب من الله مباشرة ، كما فعل أنبياء في مواقف أخرى ، بل طلب من حاشيته أن يفعلوا ، لأنه كان يعلم أن في منظومة حكمه من يمتلك العلم اللازم ، وأن هذه ليست معجزة ، بل قدرة بشرية علمية تعمل بإذن الله ضمن قوانين كونية.


و هنا يجب ان نحلل بشكل اوسع هل ان الامر معجزة محضة ام علم من نوع خاص ؟

النقل الآني بين المفهوم القرآني والتصور العلمي الحديث


ما حدث في مجلس النبي سليمان يُعد وفق المفهوم الفيزيائي المعاصر ، شكلا من أشكال ما يمكن تسميته النقل الآني للمادة ( Matter Teleportation ) وهي عملية يفترض فيها أن تُنقل كينونة مادية من مكان إلى آخر دون أن تمر عبر الفضاء الفاصل بين النقطتين ، وبلا استخدام وسائط نقل تقليدية.




في الفيزياء الحديثة ، لا سيما في ميكانيكا الكم ، تم التوصل فعليا إلى مفهوم " النقل الكمي " للحالة (Quantum Teleportation) ، حيث تنقل المعلومات الكمية التي تُحدد حالة جسيم ما من موقع إلى آخر دون أن تُنقل الجسيمات نفسها ، ويتم ذلك عبر ظاهرة تسمى التشابك الكمومي (Quantum Entanglement).


إلا أن هذا النقل لا يشمل الكتلة أو البنية المادية كما حدث مع عرش بلقيس ، بل يقتصر على الحالة فقط ، ما يعني أننا أمام نسخة ناقصة جدا مما وقع في مجلس سليمان .


وهنا يُطرح تساؤل كبير هل يمكن للبشر أن يمتلكوا علمًا يجعلهم ينقلون كيانا ماديا كاملًا بزمن يقارب صفرًا؟ 


النص القرآني لا يكتفي بالإثبات ، بل يضيف عنصرًا حاسما : "... قبل أن يرتد إليك طرفك "


أي خلال زمن لا يُقاس ما يشير إلى تجاوز لأكبر عائق فيزيائي : معروف زمن الانتقال عبر الفضاء.


هذه الصياغة القرآنية قد تفتح المجال لتصور وجود علم رباني خاص يشتمل على مفاتيح هندسة الزمكان نفسه ، فالكتاب في تعبير "علم من الكتاب" ، قد لا يكون كتابًا بالمعنى النصي فقط ، بل كودًا كونيا أو نظام معرفة يُمكّن صاحبه من برمجة الواقع كما يُبرمج المبرمج البيانات ، أي التحكم في البنية المعلوماتية للكون.


العديد من العلماء في نظريات المعلومات الكونية"


مثل ( John Wheeler ) و ( Seth Lloyds  ) يذهبون إلى أن الكون في جوهره ليس مادة ، بل معلومات ، وأن من يمتلك القدرة على التحكم بالمعلومات الأساسية يمكنه "برمجة" الواقع.


وهذا يقربنا من فهم نقل عرش بلقيس لا كخرق للسنن ، بل كتفعيل أعلى السنن لا نعرفها بعد.


وبناءً عليه يمكن القول إن دولة سليمان لم تكن فقط حضارة أخلاقية و روحية بل مختبرًا علميًا ربانيًا لتطبيق مفاهيم تفوق إدراك عصرنا ، وكان النبي سليمان ( عليه السلام ) و هو العقل المدبر والمهيمن على هذه العلوم ليس بالمعجزة وحدها بل بالتمكين الرباني عبر العلم.


هل نقل العرش كرامة / معجزة او هي علم خاص ؟


حين قال سليمان عليه السلام : "يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين"


فإنه لم يكن يتحدث عن معجزة خارقة ، ولا كرامة يمنحها الله بمحض الفضل ، بل كان يتعامل مع علم وتقنية متاحة داخل منظومة حكمه .


الدليل على ذلك أن سليمان لم يدعُ الله لجلب العرش كما فعل أنبياء آخرون عند طلب الآيات مثل ( دعاء عيسى للمائدة ، أو موسى للماء) ، بل وجه سؤاله إلى الملأ من حاشيته، ما يعني أنه كان يعلم بوجود من يملك قدرة تنفيذ هذا الأمر علميا.


وقد جاءت الاستجابات من الحاضرين مباشرة ، دون دهشة أو إنكار بل بعرض قدرات متفاوتة .


العفريت من الجن قال : "أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك".


ثم جاء من عنده علم من الكتاب فقال: "أنا آتيك به قبل أن يرتد


إليك طرفك".


هذا التفاوت في السرعة يدل على أن العملية ليست كرامة خارقة لا تخضع للمقارنة أو التدرج بل تقنية علمية قابلة للتفاضل حسب مستوى المعرفة .


ثم إن سليمان ، بعد أن رأى العرش مستقرا عنده ، قال : "هذا من فضل ربي..."


وهذا التعبير لا ينفي الطابع العلمي للعملية ، بل يثبت تواضعه وإرجاعه الفضل لله كما يفعل العلماء والعارفون في كل عصر، حين يدركون أن العلوم نفسها هبة إلهية.


من هنا نفهم أن طلب سليمان عليه السلام من حاشيته جلب عرش بلقيس لم يكن طلبًا غريبًا أو استثنائيًا ، بل أمرًا معتادًا في سياق دولته التي بلغت قمة في تسخير السنن الكونية بعلم خاص، وهو ما يجعل هذا المشهد مثالاً نادرًا في القرآن على استخدام العلم لا المعجزة في تحقيق إنجاز استثنائي بإذن الله.


فهل ما حصل مع سليمان ( عليه السلام ) يشبه ما حصل مع باقي الانبياء ( عليهم السلام ) ؟

و هل أن نبي الله سليمان عليه السلام هو نفسه من نقل العرش ؟


كل ذلك يمكنكم معرفته في كتاب ( الانتقال الاني بين العلم و الاسطورة )

من تأليف : ايمن ابراهيم



لتحميل الكتاب PDF اضغط هنا


سوق بسماية 27/6/2025

Reactions:
author-img
سوق بسماية

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent