بحث تخرج بعنوان تاثير المناخ على الخرسانة و الهياكل
تلعب الخرسانة والهياكل الإنشائية دوراً أساسياً في مشاريع البناء والبنية التحتية حول العالم ، ومع ذلك ، فإن أدائها ومتانتها يتأثران بشكل مباشر بالعوامل المناخية المحيطة ، مثل درجات الحرارة ، الرطوبة ، الأمطار ، الرياح ، والظروف البيئية القاسية.
إن فهم تأثير المناخ على الخرسانة والهياكل يُعد ضرورة أساسية لضمان استدامة المنشآت وتقليل تكاليف الصيانة والإصلاح.
تُعَدّ الخرسانة واحدة من أهم مواد البناء وأكثرها استخداماً في مختلف أنحاء العالم، إذ تدخل في تشييد المباني السكنية والتجارية والجسور والطرق والسدود والمنشآت الصناعية. وقد اكتسبت هذه المادة مكانتها لخصائصها الفريدة مثل المتانة، القدرة على تحمل الضغوط العالية، وتشكيلها بسهولة بما يتناسب مع متطلبات التصميم المعماري والإنشائي ، غير أنّ الخرسانة ، رغم قوتها الظاهرية ، ليست مادة مثالية بالكامل ؛ فهي عرضة للتأثر بالعوامل البيئية والمناخية التي قد تُضعف خواصها الميكانيكية والكيميائية بمرور الوقت ، مما ينعكس سلباً على عمر الهياكل وكفاءتها الإنشائية.
إنّ العلاقة بين المناخ والخرسانة علاقة معقدة ومتعددة الأبعاد ، فالمناخ بمكوناته الأساسية – من درجة الحرارة والرطوبة والأمطار والرياح وحتى الظروف الخاصة مثل المناخ البحري أو الصحراوي – يلعب دوراً محورياً في تحديد أداء الخرسانة على المدى القصير والبعيد ، ولأن الهياكل الخرسانية غالباً ما تُشيَّد لتبقى عشرات السنين ، فإن تجاهل أثر المناخ في مرحلة التصميم أو التنفيذ قد يؤدي إلى تكاليف باهظة في المستقبل نتيجة الحاجة إلى صيانة متكررة أو حتى إعادة بناء بعض الأجزاء المتضررة.
ومن أبرز مظاهر تأثير المناخ على الخرسانة هو التمدد والانكماش الحراري الناتج عن التغيرات في درجات الحرارة ، فالخرسانة مادة ذات معامل تمدد حراري محدود ، لكن التعرض المستمر لدورات من التسخين والتبريد قد يولد إجهادات داخلية تؤدي إلى تشققات سطحية أو هيكلية .
فعندما يتجمد الماء المتخلل في مسام الخرسانة ، يزداد حجمه بنسبة تصل إلى 9% ، ما يولّد ضغوطاً هائلة داخل البنية المسامية للخرسانة ، ومع تكرار دورات التجمّد والذوبان ، تبدأ طبقات الخرسانة السطحية بالتقشر والانفصال ، وتظهر التشققات الدقيقة التي تُضعف مقاومتها ، ولهذا السبب ، تُعتبر المناطق الباردة أو الجبلية التي تشهد صقيعاً متكرراً بيئات شديدة الخطورة على متانة الخرسانة إذا لم تُعالج بطرق وقائية مناسبة.
أما في البيئات الحارة والجافة ، فإن التبخر السريع لماء الخلط عند صب الخرسانة يُمثل تحدياً رئيسياً. إذ يؤدي إلى حدوث انكماش بلاستيكي سريع قبل اكتمال تصلب الخرسانة ، فتظهر تشققات سطحية دقيقة تعرف بالتشققات الانكماشية ، كما أنّ ارتفاع درجات الحرارة يُسرّع من تفاعلات الإماهة (Hydration) بين الأسمنت والماء ، مما قد يقلل من قوة الخرسانة على المدى الطويل إذا لم يتم التحكم بظروف المعالجة.
ومن العوامل المناخية الأخرى ذات الأثر الكبير الرطوبة والأمطار ، فالخرسانة بطبيعتها مادة مسامية، ومع تعرضها المستمر للمياه تزداد نفاذيتها وتُصبح أكثر عرضة لتسرب الغازات والأيونات ، أحد أبرز هذه الظواهر هو الكربنة ، حيث يتفاعل ثاني أكسيد الكربون الموجود في الهواء مع ماء المسام داخل الخرسانة، مسبباً انخفاض قلويتها ، هذا الانخفاض يزيل طبقة الحماية الطبيعية التي تحيط بحديد التسليح ، فيبدأ الأخير بالتآكل والصدأ ، ومع تمدد الحديد الصدئ ، تتشقق الخرسانة وتضعف بنيتها ، وتزداد هذه المخاطر في البيئات الساحلية أو الرطبة التي تشهد معدلات عالية من الأمطار أو الرطوبة الجوية.
أما في المناطق الساحلية أو البحرية ، فإن الكلوريدات الموجودة في مياه البحر والهواء المحمّل برذاذ الأمواج تُعتبر من أخطر الملوثات على الخرسانة ، فهي تتسلل بسهولة إلى داخل الخرسانة وتهاجم حديد التسليح مباشرة ، مما يسرّع من عملية الصدأ والتآكل ، وتُعرف هذه الظاهرة باسم "التآكل الكلوريدي"، وهي السبب الرئيس لتدهور معظم المنشآت البحرية أو الجسور الممتدة فوق الأنهار والبحار.
إنّ خطورة هذا النوع من التدهور تكمن في كونه صامتاً وغير ظاهر للعيان في بداياته ، فلا يلاحظ المهندسون أو المستخدمون الخطر إلا بعد ظهور تشققات كبيرة أو سقوط أجزاء من الخرسانة.
الفصل الأول : تأثير درجات الحرارة
أولاً / التمدد والانكماش الحراري
يُعد التمدد والانكماش الحراري من أهم العوامل المؤثرة على الخرسانة والهياكل الإنشائية ، فعندما ترتفع درجة الحرارة ، تتمدد الخرسانة ، وعندما تنخفض، تنكمش.
وعلى الرغم من أن هذه التغيرات تكون صغيرة نسبيًا في كل دورة ، إلا أن تكرارها المستمر يؤدي إلى تراكم إجهادات داخلية تتسبب في ظهور تشققات شعرية أو واسعة ، خاصة في المنشآت الكبيرة كالجسور والأرصفة.
تسمح هذه التشققات بتسرب الماء والأملاح إلى داخل الخرسانة ، مما يسرع تآكل حديد التسليح ويضعف متانة الهيكل ، لذلك ، تُراعى هذه الظاهرة في التصميم من خلال استخدام فواصل التمدد، والخلطات المناسبة ، وتقنيات المعالجة الجيدة.
تُعد حركة الخرسانة الناتجة عن التغيرات الحرارية من أهم التحديات التي تواجه المهندسين المدنيين ، فكلما ازدادت الفروق في درجات الحرارة بين الليل والنهار أو بين الفصول ، زاد احتمال تشكل الشقوق الانكماشية والتمددية.
ولا تقتصر هذه الشقوق على السطح ، بل يمكن أن تؤثر على استقرار الهيكل وعمره الافتراضي ، خاصةً في الهياكل الخرسانية الكبيرة كالسدود والجسور والأبراج.
وللحد من هذه المخاطر ، يعتمد المهندسون على تصميم فواصل تمدد مناسبة ، واستخدام خلطات خرسانية تحتوي على إضافات تقلل التمدد الحراري ، إضافةً إلى المعالجة الجيدة للخرسانة بعد الصب للحفاظ على تماسكها الداخلي.
تتعرض الخرسانة باستمرار لتأثيرات التغيرات الحرارية في البيئة المحيطة، مما يؤدي إلى تمددها عند ارتفاع درجة الحرارة وانكماشها عند انخفاضها. قد تبدو هذه الحركات الحرارية الصغيرة غير مهمة ، لكنها تتراكم مع مرور الوقت وتسبب تشققات دقيقة أو كبيرة تؤثر على متانة الهيكل .
ثانياً / الحرارة العالية
تؤدي إلى فقدان جزء من ماء الخلط خلال الصب و المعالجة ، مما يضعف التماسك الداخلي ويقلل مقاومة الضغط .
تُعد الخرسانة المادة الإنشائية الأكثر استخدامًا في العالم لما تمتاز به من قوة ومتانة ومقاومة للتأثيرات البيئية. غير أنّ تعرضها لدرجات الحرارة المرتفعة أو المنخفضة يترك آثارًا ملحوظة على خصائصها الميكانيكية وطول عمرها الافتراضي. فالحرارة تؤدي إلى تمدد الخرسانة، في حين يسبب انخفاضها انكماشها. هذا التمدد والانكماش المتكرر يخلق إجهادات داخلية تؤدي إلى تشققات دقيقة قد تتطور بمرور الزمن إلى شروخ كبيرة تؤثر في سلامة الهيكل.
عند ارتفاع درجة الحرارة بشكل كبير ، خصوصًا في الحرائق أو البيئات الحارة ، يحدث فقدان في ماء الخرسانة الداخلي ، ما يقلل من ترابط عجينة الإسمنت ويضعف مقاومتها للضغط. كما أن الاختلاف في معامل التمدد الحراري بين الخرسانة وحديد التسليح قد يسبب انفصالًا جزئيًا أو تآكلًا عند الواجهة الفاصلة بينهما. هذا الأمر يهدد كفاءة الهياكل المسلحة ويزيد احتمالية انهيارها تحت الأحمال.
من جانب آخر، التعرض لدرجات الحرارة المنخفضة جدًا يؤدي إلى تجمد الماء داخل مسام الخرسانة، ما يسبب زيادة في حجمها وتكون ضغوط داخلية تؤدي إلى تقشر السطح وتفتت أجزاء منه ، هذه الظاهرة تقلل من متانة الخرسانة وتسرّع من دخول المواد الضارة كالأملاح ، وبالتالي تآكل التسليح الداخلي.
لمواجهة هذه التأثيرات، يُنصح باستخدام إضافات كيميائية خاصة لتحسين مقاومة الخرسانة للحرارة والتجمد ، إضافةً إلى اعتماد طرق عزل حراري مناسبة للهياكل المعرضة لظروف مناخية قاسية.
كما يجب مراعاة تصميم فواصل التمدد والانكماش لتقليل التشققات.
بالمجمل ، فإن التحكم في تأثير الحرارة يعد عاملًا أساسيًا للحفاظ على متانة الخرسانة وضمان استمرارية أداء الهياكل الخرسانية على المدى الطويل .
اذا فانه في المناطق الحارة ، تزداد احتمالية التشققات الانكماشية المبكرة.
ثالثاً : البرودة الشديدة والتجمد
عند تجمد الماء داخل مسام الخرسانة يزداد حجمه ، مما يولّد ضغوطاً داخلية تؤدي إلى تفتت السطح (ظاهرة التقشر – Scaling).
الدورات المتكررة للتجمد والذوبان من أخطر العوامل التي تقلل من عمر الخرسانة.
تواجه الخرسانة في البيئات الباردة تحديات كبيرة نتيجة الانخفاض الشديد في درجات الحرارة ، يؤثر تجمُّد وذوبان الماء المتكرر داخل مسام الخرسانة على متانتها وسلامتها الإنشائية. فعندما تنخفض درجة الحرارة إلى ما دون الصفر ، يتجمد الماء المحبوس في المسامات الدقيقة، مما يزيد حجمه بنسبة تقارب 9%.
يولد هذا التمدد ضغوطًا داخلية عالية تتسبب في ظهور شقوق دقيقة على سطح الخرسانة ، ومع تكرار دورات التجمُّد والذوبان ، تتسع هذه الشقوق تدريجيًا ، مما يؤدي إلى تقشر السطح وانفصال أجزاء من الغطاء الخرساني ، تزداد خطورة هذه الظاهرة في الهياكل المسلحة ، إذ تسمح التشققات بتسرب الأملاح والمواد الضارة إلى داخل الخرسانة ، مما يسرّع تآكل حديد التسليح.
بمرور الوقت ، يضعف الترابط بين الخرسانة والتسليح ، وبالتالي تفقد المنشأة جزءًا من قدرتها الإنشائية ، يؤثر التجمُّد أيضًا على نفاذية الخرسانة ، فتصبح أكثر مسامية بمرور الوقت ، مما يجعلها أكثر عرضة للهشاشة والانهيار المبكر.
عمليًا ، توجد عدة طرق للحد من تأثير البرودة والتجمُّد ، مثل استخدام إضافات كيميائية خاصة تقلل من تجمُّد الماء داخل الخرسانة ، كالمواد الحابسة للهواء التي تخلق فراغات دقيقة تسمح بتمدد الجليد دون إحداث ضرر كبير.
يُنصح كذلك باستخدام خرسانة ذات مقاومة عالية وكثافة مناسبة تقلل من امتصاص الماء ، أما في المناطق شديدة البرودة ، فيتم الاعتماد على توفير عزل حراري إضافي للهياكل الخرسانية و هو إجراءً هامًا للحد من تعرضها المباشر للصقيع.
فعمومًا ، يشكل تأثير البرودة والتجمد تحديًا كبيرًا يؤثر في العمر الافتراضي للخرسانة ، مما يستلزم إيلاء عناية خاصة للتصميم والتنفيذ لضمان استدامة الهياكل ومقاومتها للتدهور في الظروف المناخية القاسية.
للحصول على البحث كاملاً من 22 صفحة و بملف وورد و PDF جاهز للتعديل و الطباعة بسعر 25 الف دينار فقط يرجى مراسلتنا على الواتس اب 07807256912 .
سوق بسماية 19/9/2025