تاريخ الدوري العراقي لكرة القدم
يُعتبر الدوري العراقي لكرة القدم من أهم البطولات الرياضية في العراق والعالم العربي. فهو ليس مجرد منافسة رياضية بين الأندية ، بل هو انعكاس للتاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي للبلاد منذ منتصف القرن العشرين وحتى اليوم ، شهد الدوري مراحل تطور وتحديات مختلفة ، وتمكن من تخليد أسماء فرق وأجيال من اللاعبين الذين أسهموا في صناعة هوية الكرة العراقية.
البدايات الأولى لكرة القدم في العراق
وصلت كرة القدم إلى العراق في مطلع القرن العشرين مع الجنود البريطانيين خلال فترة الاحتلال (1914–1932) ، بدأت اللعبة بالانتشار في المدن الكبرى مثل بغداد والبصرة والموصل ، حيث كان الشباب العراقي يتابع المباريات التي ينظمها الجنود ، ثم قاموا بتأسيس فرق شعبية صغيرة في الأحياء.
تأسيس الأندية الأولى
في ثلاثينيات القرن الماضي ، بدأت الأندية الرياضية العراقية بالتشكل ، مثل نادي القوة الجوية (1931) الذي يُعد الأقدم ، ثم تلاه تأسيس نادي الشرطة والميناء والطلبة ، شكلت هذه الأندية النواة لتأسيس بطولة وطنية في وقت لاحق.
مرحلة البطولات المحلية قبل الدوري الرسمي (1948–1974)
بين عامي 1948 و 1973 ، لم يكن هناك دوري وطني موحد ، بل كانت هناك بطولات محلية تُقام على مستوى المحافظات ، و على سبيل المثال :
بطولة بغداد : وهي بطولة تنافست فيها فرق العاصمة.
بطولات أخرى : أقيمت بطولات مماثلة في البصرة والموصل وكركوك.
تأسيس الاتحاد العراقي لكرة القدم
في عام 1948 ، تأسس الاتحاد العراقي لكرة القدم ، وهو العام نفسه الذي انضم فيه العراق رسميًا إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) ، بدأ الاتحاد بتنظيم البطولات بصورة أكثر انتظامًا، مع بذل محاولات لربط المحافظات ببعضها البعض.
انطلاق الدوري العراقي الممتاز (1974)
الموسم الأول
عام 1974 شهد ولادة الدوري العراقي الممتاز بشكله الرسمي، وكان ذلك حدثًا تاريخيًا. شاركت 16 فريقًا في أول نسخة ، وفاز الشرطة بلقبها الافتتاحي.
سمات هذه المرحلة :
- زيادة الحماس الجماهيري في الملاعب.
- ظهور أسماء لاعبين كبار مثل فلاح حسن، حسين سعيد، وعدنان درجال.
- بداية التنافس القوي بين أندية العاصمة (القوة الجوية، الزوراء، الشرطة، الطلبة).
- صعود الزوراء وبروز القوى التقليدية (السبعينيات والثمانينيات)
سيطرة الزوراء على بطولة الدوري
منذ تأسيسه عام 1969 ، سرعان ما أصبح الزوراء قوة كبرى في الكرة العراقية ، خلال السبعينيات والثمانينيات حصد معظم البطولات ، بفضل امتلاكه لاعبين بارزين مثل أحمد راضي ، رعد حمودي ، وكاظم وعل .
ظهور الطلبة والقوة الجوية
القوة الجوية : رغم كونه الأقدم ، إلا أن عصره الذهبي الحقيقي بدأ في الثمانينيات.
الطلبة : كونه فريق الجامعات، نجح في فرض نفسه كأحد الأربعة الكبار.
تأثير الحرب العراقية – الإيرانية على الدوري العراقي
استمرت منافسات الدوري رغم ظروف الحرب (1980–1988) ، الملاعب العراقية كانت تستقطب الجماهير ، وكانت المباريات متنفسًا من ضغط الحرب اليومية.
الدوري في حقبة التسعينيات : بين الحصار والتألق
استمرت المنافسة رغم الظروف ، و مع فرض الحصار الدولي على العراق (1990–2003)، واجه الدوري صعوبات كبيرة ، لكن رغم ذلك ، استمرت البطولة بشكل منتظم تقريبًا.
سيطرة الفرق الكبرى على بطولات الدوري
- الزوراء واصل هيمنته في التسعينيات أما القوة الجوية والشرطة حافظا على المنافسة و نادي الطلبة تألق بشكل لافت ، خصوصًا في أواسط العقد.
ابرز نجوم تلك الفترة
أحمد راضي ، ناظم شاكر، وحسين سعيد كانوا من أبرز الأسماء .
الألفية الجديدة :
هي مرحلة التحديات والتحولات و بعد سقوط النظام عام 2003 وتأثيره بعد الغزو الأمريكي وسقوط النظام السابق ، عانى الدوري من الانقطاع والفوضى الأمنية ، و كثير من المباريات كانت تُقام دون جمهور ، وأحيانًا يتم تأجيل المواسم أو تغيير نظام الدوري.
صعود أندية جديدة
في هذه المرحلة برزت فرق مثل :
أربيل : أصبح قوة كبرى وفاز بعدة بطولات بين 2006 و2012.
دهوك : ظهر بشكل قوي في شمال العراق.
نفط الوسط : حقق لقبًا مفاجئًا عام 2015.
بروز النجوم الجدد في الدوري العراقي
يونس محمود ، نشأت أكرم ، قصي منير ، وكرار جاسم و هوار ملا محمد و غيرهم من اللاعبين كانوا من أبرز النجوم الذين حملوا راية الكرة العراقية في هذه الفترة.
العقد الأخير (2010–2025): بين الطموح والاستقرار النسبي
محاولات التنظيم الاحترافي : منذ 2010 بدأ الاتحاد العراقي لكرة القدم بمحاولات لجعل الدوري أكثر احترافية، عبر:
- تحسين نظام النقل التلفزيوني.
- محاولة جذب الرعاة والشركات.
- الاهتمام بالملاعب الجديدة.
سيطرة الجوية والزوراء من جديد
القوة الجوية برز بشكل كبير، ليس فقط محليًا بل آسيويًا ، حيث فاز بكأس الاتحاد الآسيوي ثلاث مرات متتالية (2016، 2017، 2018).
الزوراء استعاد بعضًا من بريقه عبر تحقيق ألقاب جديدة
التحديات المستمرة بالرغم من السعي الكبير لرفع مستوى الدوري و ابرزها :
- ضعف البنية التحتية للملاعب.
- مشاكل في الإدارة والتمويل.
- استمرار هجرة اللاعبين إلى الدوريات العربية.
أهمية الدوري العراقي في الكرة الآسيوية والعربية
الدوري العراقي رغم كل الصعوبات ، يُعد من الدوريات التاريخية في آسيا ، ويمثل مدرسة لتخريج المواهب.
الإنجازات القارية للاندية العراقية
أندية عراقية مثل القوة الجوية والزوراء و الشرطة شاركت في بطولات آسيا.
و ابرزها فوز القوة الجوية بكأس الاتحاد الآسيوي ثلاث مرات.
دور اللاعبين العراقيين
كثير من النجوم الذين برزوا في الدوري انتقلوا للاحتراف في الخليج وإيران وقطر والأردن ، مما رفع اسم الكرة العراقية خارجيًا.
الأندية الأكثر تتويجًا بالدوري العراقي
1. الزوراء – الأكثر تتويجًا.
2. القوة الجوية – منافس تقليدي.
3. الشرطة – تاريخ طويل وبطولات متفرقة.
4. الطلبة – رغم تراجع نتائجه مؤخرًا ، لكنه تاريخيًا من الكبار.
5. أربيل – بطل بارز في العقد الأول من الألفية.
التحديات المستقبلية للدوري العراقي
- البنية التحتية : الحاجة إلى ملاعب اكثر حداثة و ادامة مستمرة .
- الاحتراف : ضرورة تطبيق دوري محترف بمعايير آسيوية.
- الجماهيرية: استعادة ثقة الجماهير وإعادة الأجواء المميزة للملاعب.
- الإدارة: إصلاحات في الاتحاد والأندية لتطوير اللعبة.
خاتمة
تاريخ الدوري العراقي لكرة القدم هو قصة صمود وسط التحديات. من الملاعب الترابية البسيطة في بدايات القرن العشرين، إلى المدرجات الممتلئة في بغداد والبصرة وأربيل، ظل الدوري يعكس شغف العراقيين بالكرة. ورغم الحروب والحصار والأزمات، استمر كواحد من أبرز الدوريات في المنطقة. المستقبل يحمل الكثير من التحديات، لكن أيضًا الكثير من الأمل في أن يستعيد الدوري العراقي مكانته ويعود ليكون واجهة مشرقة للكرة العربية والآسيوية.
سوق بسماية 16/9/2025